فصل: تفسير الآية رقم (48):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (47):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [47].
{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً} أي: فخراً بالشجاعة: {وَرِئَاء النَّاسِ} أي: طلباً للثناء بالسماحة والشجاعة {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} أي: لا تكونوا كأبي جهل وأصحابه، وقد أتاهم رسول أبي سفيان، وهم بالجحفة أن ارجعوا، فقد سلمت عيركم، فأبوا، وقالوا: لا نرجع حتى نأتي بدراً، فننحر بها الجزر، ونسقي بها الخمر، وتعزف علينا فيه القيان، وتسمع بنا العرب، فذلك بطرهم ورئاؤهم الناس بإطعامهم، فوافوها، فسُقوا كؤوس المنايا مكان الخمر، وناحت عليهم النوائح مكان القيان، أي: لا يكن أمركم رياء ولا سمعة ولا التماس ما عند الناس، وأخلصوا لله النية والحسبة، في نصر دينكم، ومؤازرة نبيكم، لا تعملوا إلا لذلك، ولا تطلبوا غيره.
والرئاء مصدر راءى، إذا أظهر العمل للناس ليروه غفلة عن الخالق، وقد يقال راياه مراياة ورياء، على القلب.
و: {بطراً ورئاء} إما مفعول من أجله، أو مصدر في موضع الحال.
ويصدون إما حال، بتأويل اسم الفاعل، أو بجعله مصدر فعل هو حال، وإما مستأنف.
ونكتة التعبير بالإسم أولاً ثم الفعل، الإعلام بأن البطر والرياء دأبهم، بخلاف الصد فإنه تجدد لهم في زمن النبوة.

.تفسير الآية رقم (48):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [48].
{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} أي: في معاداة الرسول والمؤمنين، بأن وسوس إليهم {وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ} أي: من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه {وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ} أي: مجير ومعين لكم {فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ} أي: تلاقتا، وتراءت كل واحدة صاحبتها، فرأى الملائكة نازلة من السماء لإمداد المؤمنين، {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} أي:
ولّى هارباً قفاه: {وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ} أي: من عهد جواركم {إِنِّي أَرَى} أي: من الملائكة النازلة لإمداد المؤمنين {مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ} أي: أن يعذبني قبل يوم القيامة {وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} أي: فلا يبعد مع إمهالي إلى القيامة، أن يعذبني لشدة عقابه.
تنبيه:
ذكروا في التزيين وجهين:
أحدهما: أن الشيطان وسوس لهم من غير تمثيل، في صورة إنسان، وهو مروي عن الحسن والأصم.
فالقول على هذا مجاز عن الوسوسة، والنكوص وهو الرجوع استعارة لبطلان كيده.
وثانيهما: أنه ظهر في صورة إنسان، لأنهم لما أرادوا المسير إلى بدر، خافوا من بني كنانة، لأنهم كانوا قتلوا رجلاً، وهو يطلبون دمه، فلم يأمنوا أن يأتوهم من ورائهم، فتمثل إبليس اللعين في صورة سُرَاقَة الكِنَانِي، وقال: أنا جاركم من بني كنانة، فلا يصل إليكم مكروه منهم. فقوله إني جار لكم على الحقيقة.
وقال الإمام: معنى الجار هنا الدافع للضرر عن صاحبه، كما يدفع الجار عن جاره. والعرب تقول: أنا جار لك من فلان، أي: حافظ لك، مانع منه. وهذا القول الثاني ذهب إلى جمهور المفسرين.
روى مالك في الموطأ عن طلحة بن عبيد الله بن كَرِيز مرسلاً، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ، منه في يوم عرفة».
وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام. إلا ما رأى يوم بدر، فإنه قد رأى جبريل يزع الملائكة.
قال الإمام: وكان في تغيير صورة إبليس إلى صورة سُرَاقَة، معجزة عظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن كفار قريش لما رجعوا إلى مكة قالوا: هزم الناس سُرَاقَة، فبلغ ذلك سُرَاقَة فقال: والله ما شعرت بمسيركم، حتى بلغتني هزيمتكم، فعند ذلك تبين للقوم أن ذلك الشخص ما كان سُرَاقَة، بل كان شيطاناً.

.تفسير الآية رقم (49):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [49].
{إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ} أي: بالمدينة، وإذ منصوب بأذكر مقدراً، أو بزين {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} يجوز أن يكون من صفة المنافقين، وتوسطت الواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، لأن هذه صفة للمنافقين، لا تنفك عنهم.
قال تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض}، أو تكون الواو داخلة بين المفسِّر والمفسَّر نحو: أعجبني زيد وكرمه.
ويجوز أن يراد: الذين هم على حرف، ليسوا بثابتي الأقدام في الإسلام.
وعن الحسن: هم المشركون.
{غَرَّ هَؤُلاء} يعنون المؤمنين {دِينُهُمْ} فظنوا أنهم ينصرونهم به على أضعافهم {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أي: من يعتمد عليه سبحانه وتعالى فإنه ينصره على أضعافه، بالغين ما بلغوا، لأنه عزيز غالب على ما أراد، وهو يريد نصر أوليائه، حكيم وحكمته تقتضي نصرهم. وهو جواب لهم من جهته تعالى، ورد لمقالتهم.

.تفسير الآية رقم (50):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلائكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ} [50].
{وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ} أي: يقبض أرواحهم {الْمَلائكَةُ} أي: ملائكة القهر والعذاب مما يناسب هيئات نفوسهم {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ} لإعراضهم عن الحق، ولهيآت الكبر والعجب والنخوة فيها: {وَأَدْبَارَهُمْ} لميلهم إلى الباطل، وشدة انجذابهم إليه، ولهيئات الشهوة والحرص والشره {وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ} عطف على يضربون بإضمار القول، أي: ويقولون ذوقوا بشارة لهم بعذاب الآخرة. وجواب لو محذوف، لتفظيع الأمر وتهويله.
وقال ابن كثير: وهذا السياق، وإن كان سببه وقعة بدر، ولكنه عام في حق كل كافر. وفي سورة القتال مثل هذه الآية، وتقدم في الأنعام نحوها، وهو قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ}، أي: بالضرب فيهم بأمر ربهم.

.تفسير الآية رقم (51):

القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [51].
{ذَلِكَ} إشارة إلى ما ذكر من الضرب والعذاب {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} أي: ما كسبتم من الكفر والمعاصي {وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} أي: بأن يأخذهم بلا جرم.
فإن قيل: ما سر التعبير بظلام بالمبالغة، مع أن نفي نفس الظلم أبلغ من نفي كثرته، ونفي الكثرة لا ينفي أصله، بل ربما يشعر بوجوده، وبرجوع النفي للقيد؟
وأجيب بأجوبة:
منها: أنه نفي لأصل الظلم وكثرته، باعتبار آحاد من ظلم، كأنه قيل: ظالم لفلان ولفلان وهلم جراً، فلما جمع هؤلاء عدل إلى ظلام لذلك، أي: لكثرة الكمية فيه.
ومنها: أنه إذا انتفى الظلم الكثير، انتفى الظلم القليل، لأن من يظلم، يظلم للإنتفاع بالظلم فإذا ترك كثيره، مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر، كان لقليله مع قلة نفعه أكثر تركاً.
ومنها: أن ظلاماً للنسب، كعطار، أي: لا ينسب إليه الظلم أصلاً.
ومنها: أن كل صفة له تعالى في أكمل المراتب، فلو كان تعالى ظالماً، كان ظلاماً، فنفى اللازم، لنفي الملزوم.
ومنها: أن في الظلام لنفي الظالم، ضرورة أنه إذا انتفى الظلم انتفى كماله، فجعل نفي المبالغة كناية عن نفي أصله، انتقالاً من اللازم إلى الملزوم.
ومنها: أن العذاب من العظم بحيث، لولا الإستحقاق، لكان المعذب بمثله ظلاماً بليغ الظلم متفاقمه، فالمراد تنزيهه تعالى، وهو جدير بالمبالغة.
وأيضاً لو عذب تعالى عبيده بدونه استحقاق وسبب، لكان ظلماً عظيماً، لصدروه عن العدل الرحيم. كذا في العناية.
وفي صحيح مسلم عن أبي ذرّ رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يقول: «إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا، يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه». والحديث طويل جليل، معروف عند المحدثين، بالحديث المسلسل بالدمشقيين.
ثم بين تعالى أن سير المشركين المستمر، وعادتهم الدائمة، مع ما أرسل به النبي صلى الله عليه وسلم كسير الأمم السالفة مع رسلهم، بقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (52):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [52].
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} خبر لمقدر، أي: دأب هؤلاء كدأب آل فرعون وممن تقدمهم من الأمم، كقوم نوح، وهو عملهم الذي دأبوا، أي: استمروا عليه، ثم فسره فقال: {كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ} أي: قبل يوم القيامة: {بِذُنُوبِهِمْ} أي: كما أخذ هؤلاء، لأنهم اجترؤوا على معاصيه بما رأوا لأنفسهم من القوة فضعفهم، إظهاراً لقوته.
{إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} قال المهايمي: تأخير العذاب إنما يكون للرحمة، لكنه لما اشتد عنادهم، اشتد غضبه، لأنه شديد العقاب لمن اشتد عناده معه، فلا يكون في حقه رحمة.

.تفسير الآية رقم (53):

القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [53].
{ذَلِكَ} أي: التعذيب الذي علم كونه مؤاخذة بالذنوب {بِأَنَّ اللّهَ} أي: بسبب أنه تعالى: {لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ} بتبديله إياها بالنقمة {حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} من وجبات تلك النعم من اعتقاد أو قول أو علم.
وهذا إخبار عن تمام عدله وقسطه في حكمه، بأنه تعالى لا يغير نعمة أنعمها على أحد إلا بسبب ذنب ارتكبه، كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
قال القاشانيّ: كل ما يصل إلى الْإِنْسَاْن هو الذي يقتضيه استعداده، ويسأله بدعاء الحال، وسؤال الاستحقاق.
فإذا أنعم على أحد النعمة الظاهرة أو الباطنة لسلامة الاستعداد، وبقاء الخيرية فيه لم يغيرها حتى أفسد استعداده، وغير قبوله للصلاح، بالإحتجاب وانقلاب الخير الذي فيه بالقوة إلى الشر، لحصول الرين وارتكام الظلمة فيه، بحيث لم يبق له مناسبة للخير، ولا إمكان لصدروه منه، فيغيرها إلى النقمة عدلاً منه وجوداً، وطلباً من ذلك الاستعداد إياها بجاذبة الجنسية والمناسبة، لا ظلماً وجوراً. انتهى.
{وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي: فيغير إذا غيّروا، غضباً عليهم بما يسمع منهم أو يعلم.

.تفسير الآية رقم (54):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ} [54].
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} فكان مبدأ تغييرهم أنهم: {كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ} أي: الذي رباهم بالنعم، فصرفوها إلى غير ما خلقت له بمقتضى تلك الآيات، فكانت ذنوباً {فَأَهْلَكْنَاهُم} أي: زيادة على سلبه النعم {بِذُنُوبِهِمْ} أي: بما صرفوا بها النعم إلى غير ما خلقت له {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ} لإغراقهم النعم في بحر الإنكار بنسبتها إلى فرعون حيث أقروا بآلهيته {وَكُلٌّ} أي: من الفرق المكذبة الكافرة، أو من آل فرعون ومن قبلهم، وكفار قريش.
{كَانُواْ ظَالِمِينَ} أي: بصرف النعم إلى غير ما خلقت له، وهو نوع من الإغراق لها في بحر الإنكار لأنه مرجع التغيير لها. كذا أوّل المهايمي.
وفيه إشارة إلى دفع ما يتوهم من التكرار في الآيتين، بتغير التشبيهين فيهما، فلا يحتاج إلى دعوى التأكيد، فمعنى الأول: حال هؤلاء كحال آل فرعون في الكفر، فأخذهم وآتاهم العذاب، ومعنى الثاني: حال هؤلاء كحال آل فرعون في تغييرهم النعم، وتغيير الله حالهم بسبب ذلك التغيير، وهو أنه أغرقهم.
وقيل: إن النظم يأباه، لأن وجه التشبيه في الأول كفرهم المترتب عليه العقاب، فينبغي أن يكون وجهه في الثاني قوله: {كَذبوا} لأنه مثله، إذ كل منهما جملة مبتدأة بعد تشبيه، صالحة لأن تكون وجه الشبه، فتحمل عليه كقوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَاب}، وأما قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً} فكالتعليل لحلول النكال، معترض بين التشبيهين، غير مختص بقوم، فَجَعْلُهُ وجهاً للتشبيه بعيدٌ عن الفصاحة. كذا في العناية.